الخماسية عود على بدء
في ظل هذه الأجواء تعود الخماسية إلى العمل على الملف اللبناني وكأن لبنان هو بلد ينتمي إلى خارج المجموعة الشمسية، وأن هذا البلد الصغير باستطاعته أن يصنع التاريخ منفرداً. فلا أحد يريد أن يفهم أن لب المعضلة اللبنانية يكمن في قلب المعادلة العربية. وفي كل مرة كان بلد الأرز يحاول الخروج على هذه المعادلة حتى كانت المصائب تاتيه من حيث لا يدري، فالقضية الفلسطينية وما نتج عنها من لجؤ ولا سيما من تداعيات عسكرية كادت أن تمزق هذا البلد الصغير في العام 1975. وحتى وقبيل ذلك كاد الصراع بين الناصرية من جهة وحلف بغداد من جهة ثانية أن يودي بالصيغة اللبنانية التي تفجرت بعيد أحداث العام 1958.
بدعة العربي والعروبي
وفي ظل الصراعات القديمة والمستجدة بين مختلف المحاور يبرز صراعاً من نوع آخر، يحاول كل محور شد لبنان إليه. فهنالك تيار عربي يحاول ضم لبنان إليه وآخر عروبي تسعى أكثر من جهة لجعل لبنان راس حربة فيه. والفرق بين العربي والعروبي هو بسيط ومعقد في آن معاً، فمفهوم العربي هو مفهوم حضاري إنساني جغرافي، أما مفهوم العروبة فهو مفهوم سياسي ينتمي إلى ما بعد بعد الجغرافيا العربية ويذهب باتجاه ايديولوجيات تبدأ من بيروت وغزة ولا تنتهي عند حدود بلاد العجم.
وهكذا وبعيداً عن الحلول المرتقبة للمعضلة اللبنانية فإن إطالة عمر هذه الأزمة قد ينتج عنه تعقيدات لا قدرة للبناني على حلها منفرداً إلا إذا صدقت النوايا وتوافرت شروط نجاحها، فهل نحن اليوم أمام واقع جديد وأسلوب جديد للخماسية أم أنه مطلوب من الخماسية تقطيعاً للوقت في ظل الأزمة الإقليمية التي لم تصل إلى خواتيمها بعد ولم تجد الحل الملائم لها؟
غزة جغرافيا للتهجير أم للتفجير؟
يقوم العدو الإسرائيلي باتباع سياسة الأرض المحروقة في غزة ولا سيما في المناطق المحيطة بغلاف غزة، مما يعني استحالة العودة القريبة في المدى المنظور للفلسطينيين إلى مساكنهم الأساسية وهذا يؤدي إلى استمرار التهجير لسنوات وسنوات. وبالرغم من الاتهامات بالإبادة الجماعية التي صدرت عن أعلى هيئة قضائية في العالم أي محكمة العدل الدولية في لاهاي، فإن الدولة العبرية قد ضربت عرض الحائط بهذه المقررات وهي مستمرة بسياسة القتل والتدمير والإبادة التي تطاول العشرات من المدنيين يومياً، وهي تعتمد على التاييد اللامشروط من الدول الغربية.
الحل في لبنان لبناني
وهكذا فإن أفق الحل اللبناني لا بد وأن تبدأ من الداخل اللبناني، فالخارج مشغول عنا بكثرة مشاكله، وهو وإن أبدى دعماً فإن هذا الدعم يبقى في إطار الكلام وضمن الأطر الديبلومسية. واللبناني بات عليه أن يفهم أنه “ما حك جلدك مثل ظفرك” وإن اتفاقاً لبنانياً بين المكونات الداخلية ولو بالحد الأدنى كفيل بإدخال البلد إلى ربوع الطمأنينة، فلنتكل على أنفسنا ولنتعظ أنه من الحب ما قتل.
كاتب سياسي*